كانت القصة على الطريق الساحلى...يمر الثرى بسيارته تتقلب نظراته فى وجوه الناس و يمد عينه هنا و هناك...يرى الخباز و حوله البسطاء يتزاحمون لشراء القليل من الخبز و و بائع الخضراوات ينادى فى الناس بمحاسنها للشراء كانت هذه المشاهد تتكرر أمام عينه يومياً فى ذهابه و عودته من عمله...كان يتمنى أن يعلم لما الغنى غنى و لما الفقير فقير و من منهم الذى يحظى بالسعادة فى حياته فهذا السؤال الذى نغص عليه حياته و بات يسأل نفسه عن مدى سعادتها بالمال و يسأل هذا و هذا حتى وجد شبه الإجابة عند رجل ورع أخبره أن لا مفر من ذلك إلا أن يكون له حوار شافى مع أحد فقراء الحياة تستخلص منه كل ما أردت معرفته.....و منذ هذه اللحظة عاش على أمل أن يجد الفقير الذى يطرح عليه شكوكه و يناجيه بكيفية حياته و مصارعته مع الفقر و الضنك
لقد نشأ فى عائلة تتفحش بالثراء لا يخلو جيبه من المئات و يرى الذهب فى اليوم أكثر من طعامه و شرابه...كان يجد من ينقله إلى الخلاء كمن كان ينقله إلى عمله و أدخل والديه فى ذهنه أن السعادة فى المال و لا غيره...حتى جاء هذا اليوم الذى أدار حياته إلى الإتجاه المعاكس و طفق يخلو قلبه من وساوس خاطئة كانت هى محور إعتقاده فى الحياة...كان فى إحدى المرات يسير بسيارته على الطريق الساحلى و أحس ببعض الضيق و الملل فأمر سائقه أن يقف له قليلا عند مفتتح البحر ليستنشق بعض الهواء و بينما هو واقف فإذا به يرى منظر أقلعت له عيناه و جذب إنتباهه فلقد رأى صياداً يمضى و إبنه بجانبه يحملا حقيبة الصيد بعدما إنتهوا من العمل عائدين يتصاحوا و يتعالى غنائهم و يداعب الأب إبنه ببعض النكات و يغمزه بعض الغمزات و يضحك الولد و الأب بكل سعادة و لم يكن هذا الذى أعجب له الرجل بل ما أعجبه أن ما بهما من سوء هيئة و ضيق الحال و الأثواب الممزقة و التى تكاد تظهر ُجلودهم إلى الناظرين من شده الترقيع فيها لا يدل أبداً على هذا الضحك و السعادة....و بهذا فقط أتت فرصته التى كان ينتظرها فلقد أستوقف الصياد و قال له يا هذا هل لى أن أسألك بعض الأسئلة ؟
ألتفت الصياد مستعجباً من هذا الموقف الغريب المفاجىء و قال: تفضل أسأل ما تريد..
الرجل : أراك لا تستعجب من أن رجلا مثلى يقف للكلام مع صياد مثلك
الصياد : و لم العجب يا أخى فالفرق بينى و بينك هو تلك البدلة التى ترتديها أما عند الله فلا فرق بينى و بينك
الرجل : لا أريد أن أطيل الحديث معك حتى لا يظن شخص ما أنى على صلة برجل مثلك
نظر الصياد و إبنه إلى بعضهما البعض مستعجبين من غرور هذا الرجل ثم أمضى الرجل فى حديثه : لا أريد منك إلا إجابات عل أسئلتى و لم يكد أن يكمل كلامه حتى قاطعه الصياد : بل أنى سائلك و أنت من سيجيب
فتعجب الرجل الثرى من رد فعل هذا الصياد و قال له لا بأس رغم أن فى جعبتى الكثير من تساؤلات لأمثالك
فابتسم الصياد و قال له : انا أعرف ما تريد أن تسألنى عليه و سأجيبك عليه من خلال أسئلتى... فكأننى ألمح فيك مسحات من التعاسة و الحزن رغم ثرائك المتفحش فدعنى أسألك هل تشعر بالسعادة بسياراتك وعقاراتك وملايينك فى البنوك؟
الرجل:هذا فعلاً ما أردت أن أسألك عنه و هو شعورك بالسعادة فهذا سؤال يتخفى ورائه كل فقير حتى يخدع نفسه أنه سعيد بفقره وأن لا سعادة فى المال
الصياد:لو كانت السعادة سعادة المال لكنت أشقى الناس...لأنى أفقر الناس
الرجل: وهل تظن نفسك أسعد الناس بفقرك؟
الصياد: يكفينى أن أكرمنا عند الله أتقانا فانا أتقى الله فى زوجتى و أولادى و لا أدخل بيتى إلا حلالاً طيباً و أرضى بما قسمه الله لى فحسبى هذا من الدنيا و بعدها راحة البال و الطمأنينة و لتعلمن أن بدايتى و بدايتك من طين و نهايتنا هى القبر و الفرق بين تلك المرحلتين هو ما قدمه الإنسان للبشرية و حياته و ما زاد عليه فى الدنيا...فأنت تعيش للمتعة و للدنيا و أنا أعيش لربى و آخرتى فهل تستطيع أن تشترى بمالك ما أشتراه فقرى؟
الرجل:وما الذى أشتراه فقرك مالم تشتريه ملايينى؟
الصياد:فلتشترِ رضا ربك.فلتشترِ قلب يحبك.فلتشتر زوجة صالحة.فلتشتر راحة البال.فلتشتر حب الناس وإحترامهم لك.فلتشتر الأخلاق والنجاح فى الحياة
و بعد تلك الكلمات كاد الرجل أن يغمى عليه من صاعقة ما قاله الصياد فلقد أفحم لسانه و محى ما كان يعتقد به الغنى و ثبت فى مكانه لا يقدر على الكلام فلقد علم حينها أنه كان يخدع نفسه بهذه الحياة الثرية و هو يعلم فى ذاته أنه لم يشعر بالسعادة و راحة البال و لو مرة فى عمره سواء فى صحوه أو منامه فلقد عاش على غروره بماله و غاب عنه أن لله و للفقراء حق معلوم فى هذا المال فالتفت و رجع إلى سيارته و مضى إلى طريقه فابتسم الصياد إبتسامه تحمل نوعا من الشفقة ثم نظر إلى الأرض ثم إلى ولده و تبسم و رفع رأسه للسماء و قال فى نفسه : رب أعط هذا الرجل السعادة بمقدار ما أعطيته من المال...
القصة من تأليفى من وحى الخيال أرجو أن تنال إعجابكم و تقديركم